أتعجب من هؤلاء الذين يلصقون لأنفسهم لقب شعراء دون وجه حق ورغم ذلك هم مصرون على ان يطلق عليهم لقب شعراء - رغم أنهم مجموعة من المرنزقة لا أكثر, وفن الشعر منحة من الطبيعة لبعض البشر الذين متعهم الله باحساس مرهف , فالشعراء يحملون أرقى المشاعر الانسانية - واذا حاولت أن اتحدث عن نفسى بشئ من الواقعية - أقول (أننى لم أولد كغيرى من البشر , فقد ولدتنى أمى فوق قصيدة شعر) وربما الطبيعة التى حاصرتنى منذ ولادتى كان لها الأثر الأكبر فى تكوين منظومة الاحساس الشعرى داخلى ، وربما لأننى نشأت فى قرية صغيرة تابعة لاحدى محافظات الصعيد 00 حيث العادات والتقاليد والطباع المتأصلة داخل عقول حملت ميراث القسوة والعنف والثأر ، وبين هذا وذاك كانت أسرتى الصغيرة التى تتكون من ستة أفراد بما فيهم الاب والام ، كنا اسرة متماسكة ومترابطة ، فوالدى ما زال ذلك الرجل الطيب الكريم والضاحك والحنون أيضا" ، يقسو لحظات ويحنو ساعات ، وأمى تلك المرأة الريفية التى تحمل عناء الأيام دون أن تشكو ، وكم كانت تتحمل قسوة الظروف دون أن تشعرنا بها ، وما زالت تلك الابسامة لا تفارق وجهها حتى فى أصعب المواقف 00 لم استطيع أن أجرد نقسى من تلك النظومة الرائعة0 التى كونت داخلى تركيبة" نادرة" من المشاعر الفياضة ، ورغم عشقى للحياة والحب ورومانسيتى التى تسكن ذاتى واعتيادى على السفر المستمر - وعشقى للمدن والنيل وليل القاهرة الساهر حتى الصباح - لدرجة أننى أصبحت (صعيدى)بالاسم و( قاهرى) فى الواقع 00ورغم ذلك لم يرحل عنى مخزون الماضى الجميل ، وتلك القرية العظيمة البسيطة ، خرجت للعيش فى القاهرة ، وانا أحمل معى طيبة" أهل القرية ونقائهم وشهامتهم عشقت الحياة والحرية والحب ولكن عشقت (الشعر)أكثر فأ صبح كل شئ يهز مشاعرى أكتب عنه دون تردد 0000
أما علاقاتى والتى تعدت حدودية العقل والواقع - فهى مجرد علاقات عادية وليس كل رجل قابلته صار صديقا" أو أخذ مساحة" من وقتى فأصدقائى أختارهم بعناية ، وبعد معاناة فى تحليل الشخصية ووضعه على جهاز اختبار قد يستمر لسنوات حتى أقتنع بأنه يستحق ان يكون صديقى ، وصديق واحد فيه كل مقومات الصديق يكفى من وجهة نظرى لأن الصداقة الحقيقية عملة أصبحت نادرة الوجود خاصة" فى زماننا هذا
أما اذا تحدثت عن النساء أو الجنس اللطيف كما يقولون 00 أقول 0 قليلات اللواتى اهتز لهن احساس الشعر داخلى ، قليلات اللواتى حركن شظايا الحروف فنزف قلمى اعجابا" بهن 0 فليست كل امرأة عرفتها حركت مشاعر الفؤاد ، ولا كل علاقة مع بنات حواء جعلتنى أشتهى الكتابة ، وكم هن كثيرات هؤلاء النساء اللاتى ذهبن من حياتى بنفس السرعة اللاتى جئن بها ، ولم يتركن ورائهن بيتا" واحدا" من الشعر ، ولا حتى حرفا" 0 فأنا دائما فى نزاع مع نقسى ، بل مقسوم الى شخصين يتنازعان دائما" 0 الرجل والشاعر ، وهناك الكثيرات من النساء لم أقتنع بهن وبالتالى لم تقنع حاسة الشعر فى ذاتى ، وربما الجميلات لا يصدر من خلالهن الشعر الا نادرا"
والمرأة الملهمة 0 هى التى تحدث شرخا" فى خلايا العقل ، وخلخلة" فى المساحة الزمنية 0 وقد تلغى الوقت والزمن ، وتقيدنى بوقتها وزمنها هى ، ومن السهل ان أكتب أغنية" وأنا أشرب فنجان الشاى ، أو أكتب قصيدة" أثناء تناولى طعام العشاء وربما كتبت بالفعل قصيدة او قصيدتين فى مثل هذه الحالة ، فبوابة الشعر عندى من السهل أن تفتح لأبسط الأمور - كطريقة مشية المرأة ،اسلوبها 0 ضحكتها شعرها ، تقاطيع الوجه ، تناسق الجسم - عيناها - وربما كثيرا" ما تلفت نظرى مثل هذه الأمور
ولكن هناك فرق بين ما نحبه ، وبين ما نتوهم أننا نحبه ، فالفرق بين الحب والوهم 0 كالفرق بين ضوء الكهرباء وضوء الشمعة ، والحب حالة خاصة ولغة خاصة بين اثنين لبس كل منهما ثوب الأخر حتى اختلط الاثنان فأصبحا الاثنان قلبا" واحدا" مقسوم على شخصين ، ومن الصعب على المحب أن يكتشف من أى منطقة يبدأ شعاع الحب فى القاء الضوء على شرايين القلب
وربما مدينتى الشعرية متناقضة كثيرا" عن مثيلاتها ، فمدينى الشعرية لا تعترف بالأجازات المحددة 0 فهى تغلق متى تشاء، وتفتح متى تشاء ، ولكن من الصعب ان تغلق طوال العام ، فمدينى الشعرية سوف تظل تنتظر من يطرق ابوابها ، ثم تقرر حاستى الشعرية 0 لمن تفتح ، ولمن تعلن العصيان