العصيان
كان يعيش عيشة طيبة بين والديه اللذين كانا يحبانه، وكان يعمل حدادا وكان عمله يدر عليه الكثير من المال فعاش في سعادة غامرة، واستمرت حياته هكذا عمل وكسب وسعادة، وكانت أيامه تمر عليه رتيبة شعر من خلالها أنه بحاجة إلى أن يتزوج وكان معجبا بفتاة كانت بنظره جميلة فتعلق بها، وحادث أمه بموضوع زواجه من هذه الفتاة، ولكن أمه رفضت أن يتزوج من هذه الفتاة وكذلك كان والده رأيه من رأي الأم، ولما سألهما عن السبب قالا له: هذه البنت لا تناسبك ولا تناسبنا، لكنه لم يسمع نصيحة أمه بل أخذ يلح عليها وأصر على رأيه ومع شدة إلحاحه وعناده خضعت الأم لرغبته وقالت له: اسمع يا بُني كلمة أخيرة أقولها لك: إن جمال الشكل لم يكن يوما مقياسا للسعادة فالحذر يا بُني مما أنت قادم عليه. ولكنه كان أصم أعمى فلم يسمع ما قالته له أمه، فعقله كان هائما لاهثا وراء الجمال الزائف الذي كانت تتمتع به تلك الفتاة.
وتم له ما أراد وتزوج فتاة أحلامه وفاز بمن كان قلبه يهفو إليها، ولكن بالمقابل كسب غضب أمه وأبيه اللذين عارضا هذا الزواج.
أقام مع زوجته في منزل والده، وما هي إلا فترة قصيرة وإذ بالخلافات تدب بين الأم والزوجة مما جعل الأب يتخذ قراراً بإخراج الابن وزوجته من منزله بعد أن أعطاه مهلة لترتيب أموره.
وبدأت رحلة البحث عن سكن يؤويه هو وزوجته التي كانت تفتعل المشاكل مع الأم المسكينة الطيبة والتي كانت تحرض زوجها على والده، وكان الزوج المخدوع يقف بصف زوجته دائما، وبعد بحث طويل وجد شقة مناسبة وأثثها بأثاث باهظ الثمن اختارته الزوجة كي تفاخر به صديقاتها، وعاش الابن وزوجته حياتهما بعيدا عن أهله وقاطع الزوج أمه وأباه، ولكن حياته مع زوجته كانت بها منعطفات وذلك من كثرة مشاكل الزوجة وإرهاق زوجها بطلباتها التافهة التي لا تنتهي ولعدم اهتمامها بشؤون زوجها مما جعل الزوج يعيش حياة كئيبة تعيسة، وزاد الطين بلَّة أن قل الطلب على عمل الحدادة وضعف مدخوله وبدأ يمر بضائقة مالية واحتار ماذا يفعل مع هذه الزوجة التي لا تنتهي طلباتها؟
ولما رأت الزوجة حال زوجها أشارت عليه أن يذهب إلى والده كي يأخذ منه مبلغا من المال، ولكن الزوج أبى فقد منعه كبرياؤه وغروره.
وخرج يبحث عن وظيفة حكومية لكن الأبواب كلها أغلقت في وجهه، ولم يجد سبيلا لتوفير المال سوى أن يبيع أثاث المنزل، والزوجة لا تبالي وأخذت تنفق دون حساب حتى لم يتبقَّ في جيب الزوج فلس واحد بسبب هذه الزوجة اللعوب التي أخذ أهل الحي يتحدثون عن سلوكها المشين. ونشب خلاف حادٌّ بين الزوجين وأخذت الزوجة تعيّر زوجها بجلوسه في البيت مثل النساء وعدم تمكنه من توفير حاجيات المنزل، وهكذا عاش هذا الزوج البائس أياما مليئة بالآلام، وفكر في أن يطلق زوجته ولكن خوفه من تشمت أهله به منعه. وداس على كرامته وسمعته إرضاء لغروره وكبريائه، وأخذ يفكر كيف يوفر المال اللازم له ولزوجته؟ وقاده تفكيره إلى إصدار شيكات بدون رصيد، وأصدر الشيك الأول واستطاع أن ينجح في عملية النصب لأنهم لم يستدلوا على عنوانه مما جعله يستمر في هذا الطريق، وزين له الشيطان سوء عمله وهونه عليه فأصدر شيكا آخر، ولكن لكل شيء نهاية، وما هي إلا أيام قلائل وإذ برجال الشرطة يطرقون الباب ويقتادونه إلى حيث المصير المظلم، وكانت نهايته العيش خلف القضبان أسير الذل والعار يذرف الدمع الغزير بين جدران السجن أملا في عفو الله عز وجل ورضا والديه.(1)
هذه نهاية طبيعية لكل من يعصي والديه ويخالف رغبتهما.
قال الله تعالى: " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ".(2)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضى الرب في رضى الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين".(3)
(1) جريدة الرأي العام بتصرف
(2) سورة لقمان: الآية 14
(3) رواه الحاكم
من كتاب "كما تدين تدان"